تحليل إخباري | أية صورة نصر تبحث عنها إسرائيل؟

نتنياهو الذي يبحث عن صورة انتصار على أبواب غزة ينهي بها مستقبله السياسي الذي أصبح محتوما، لن يحصد سوى الخيبة لأن تقديرات عدد من المحللين السياسيين والعسكريين أن القسام جادة في الشعار الذي نقشته على رايتها "نصر أو استشهاد".

تحليل إخباري | أية صورة نصر تبحث عنها إسرائيل؟

قوات الاحتلال تستهدف المناطق الشرقية في قطاع غزة بقصق الدبابات والمدفعية (Getty Images)

كلما اقترب الجيش الإسرائيلي من تحقيق "الانتصار" المزعوم في غزة، "تسن السكاكين"، كما يقولون بـالعبرية، لـ"المنتصرين" من قادة الجيش و"الشاباك" والاستخبارات وصولا إلى رئيس حكومتهم الذين "ناموا خلال الحراسة" وتسببوا بأحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، التي خلخلت نظرية الأمن الإسرائيلي التي يقوم عليها المشروع الكولونيالي الصهيوني برمته.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في تلغرام

وربما تكون تلك المرة الأولى في التاريخ التي "تسن فيها السكاكين" استقبالا لـ"المنتصرين" في الحرب وتنصب لهم "أعواد المشانق"، لذلك فإن الحديث عن انتصار إسرائيلي في غزة وعليها، مهما كانت نتائج الحرب الدموية، هو حديث زائد وفارع من أي مضمون، ليس فقط لأن ما انكسر في السابع من أكتوبر من انهيار شامل لنظرية "الجدار الحديدي" التي أرساها جابوتنسكي وطبقها ورثة بن غوريون وعززها شارون وقطف أو كاد ثمارها نتنياهو.

نتنياهو الذي يبحث عن صورة انتصار على أبواب غزة ينهي بها مستقبله السياسي الذي أصبح محتوما، لن يحصد على ما يبدو سوى الخيبة لأن عددا من المحللين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين يؤكدون أن كتائب القسام جادة في الشعار الذي نقشته على رايتها واتخذته عنوانا لمعركتها، "نصر أو استشهاد" وأن مقاتليها وقادتها لن يخرجوا رافعي الأيدي، بل سيبقوا يقاتلون لأشهر وحتى لسنوات طويلة بعد سقوط الجيش الإسرائيلي في الوحل الفلسطيني في غزة.

في هذا السياق، كتب الكاتب الإسرائيلي ب. ميخائيل، أن هذه المرة أيضا لن يكون انتصارا، سيكون "قصف"، "طحن"، "جرش"، "هرس" وهدم ولكن ليس نصرا، "لقد انتصرنا على الفلسطينيين مرة تلو المرة وصحونا مرة بعد الأخرى لنفس يوم الأمس في دائرة بدون مخرج"، بينما يكتب المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، أنه "مخطئ من يظن أن السيطرة على غزة وتقويض سلطة حماس في شمالي القطاع سيحققا الهدف الضروري لأمن إسرائيل، لأن جنوب القطاع هو مشكلة قائمة بذاتها تحتاج إلى جواب"، وهو ما أكده وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، الذي قال إن بانتظار جيشه أيام طويلة من القتال.

هذا فيما ترجح التوقعات العسكرية أن تستمر هذه المعارك ربما لعدة أشهر قادمة، وهو ما دفع نتنياهو ربما إلى القول إن إسرائيل ستبقي على سيطرتها الأمنية على قطاع غزة لفترة طويلة، في حين يصف المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، صورة المعركة بأنها مختلفة وأكثر تعقيدا عما كانت عليه في عملية "الرصاص المصبوب"، فخلال الـ14 عاما الماضية، كما يقول، عززت حماس المنظومة التحت أرضية بصورة لم يواجهها جيش غربي سابقا، بينما تكمن قواتها الأساسية في الأنفاق، كما لا يبدي قادتها أي مؤشرات حول استعدادهم للاستسلام.

هرئيل يقول إنه بغياب قدرة عسكرية لدى حماس لفرملة تقدم قوة إسرائيلية مدرعة مع أعداد آليات كبيرة وقدرة نارية هائلة؛ فإن مقاتليها الموجودين في الأنفاق يهاجمون هذه القوات بعد أن تتموقع في نقاط ثابتة.

وبغياب أهداف عسكرية واضحة، أيضا، بدأ الجيش الإسرائيلي في التركيز والإعلان عن أعداد القتلى في صفوف مقاتلي المقاومة الفلسطينية، وهي ظاهرة يعتبرها هرئيل إشكالية، كانت ميزت الجيش الأميركي خلال حرب فيتنام، وبرزت إسرائيليا، كما يقول الخبير في الشأن العسكري يجيل ليفي، خلال الانتفاضة الثانية، وتعاظمت بشكل خاص بعد قضية الجندي القاتل، إليئور أزاريا، والانتقادات التي وجهت للجيش الإسرائيلي بأنه "جيش نباتي"، ما دفع الجنرال آيزنكوت إلى التفاخر قبل خروجه للتقاعد بقتل 171 فلسطينيا في الضفة الغربية، خلال سنتين، وتوجت في عهد الجنرال كوخافي الذي تحدث في خطاب تتويجه عن "جيش قاتل".

ويرى ليفي أن استعمال القتل يتحول إلى هدف بحد ذاته عندما لا يمكن تبريره كوسيلة في تحقيق الأهداف، لذلك فهو يعتقد أن هذا الخطاب ربما يكون نوعا من تمهيد الأرضية لوضعية يؤدي فيها ضغط أميركي لوقف الحرب قبل تقويض سلطة حماس، حيث يمكن عندها أن يبين الجيش تقدما ويتم إلقاء التهمة على السياسيين، كما يقول.

الجيش الأميركي اتبع هذا الأسلوب في العراق أيضا لكي يبرر خسائره هناك عن طريق الإيحاء بأن العدو يتكبد خسائر أكبر، وليس من المستبعد أن خطابا كهذا يتطور هنا أيضا، لتبرير خسائر الجيش الإسرائيلي وإسكات الأصوات التي قد تطالب بعدم الاستمرار في التضحية بحياة الجنود، كما يقول ليفي، خاصة أن مشاهد الدمار في غزة لم تعد مقنعة وغالبية القتلى الغزيين هم من المدنيين، وفي ظل غياب أهداف واضحة يمكن قياس تحقيقها، فإن تعداد قتلى العدو من المقاتلين، ريما يكون عاملا مطمئنا بشكل مؤقت على الأقل، خاصة على ضوء غياب جمهور ناقد يمكنه أن يتساءل لماذا نقتل ونقتل؟، كما يقول.

التعليقات